ألعاب الفيديو في عصر الذكاء الاصطناعي: المترجمون والمطورون
“ليس كل لاعب مترجم، ولكن كل مترجم لاعب”. بهذه العبارة البسيطة أدليت بدلوي في أحد الندوات عبر الإنترنت والمعنية بصناعة ألعاب الفيديو Video Games وتوطين / تعريب ألعاب الفيديو (Video Games Localization). فماذا تعني؟ المقصود من هذه العبارة أن الترجمة تلزمها مهارات خاصة لا تأتي إلا بالدراسة ثم الممارسة في حين أن احتراف ألعاب الفيديو لا يحتاج إلا تجهيزات تقنية لرفع كفاءة اللعب Gameplay Efficiency وتقديم أفضل أداء وكذلك تحتاج للممارسة الكثيرة للوصول إلى الاحتراف؛ مما يعني أن كل مترجم (Translator / Localizer) يمكنه أن يصبح لاعبًا ومحترفًا في مجال ألعاب الفيديو ولكن ليس شرطًا أن يكون اللاعب لديه فرصة سهلة لأن يصبح مترجمًا. بعد سنوات من انطلاق عالم الترفيه واتساع الأفق لهذا المجال الواعد والذي يثبت قوته يومًا بعد يوم لم يمض وقتًا طويلًا حتى أخذ الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence (AI) مأخذه في هذا المجال على مستوى اللغة أو التقنية. الذكاء الاصطناعي على مستوى اللغة فتحت الترجمة الآلية Machine Translation الباب على مصرعيه ومهدت الطريقة لتطبيق الذكاء الاصطناعي بكل سهولة في مجال الترجمة واللغة بشكل عام فكانت الترجمة الآلية (MT) والتعديل اللاحق على الترجمة الآلية Machine Translation Post-Editing (MTPE) النواة الأولى لما وصل إليه الذكاء الاصطناعي في مجال اللغة في الوقت الحالي. لا يخفى على أحد ممن تمرسوا في صناعة الترجمة انطلاق الكثير من مشاريع التعديل اللاحق على الترجمة الآلية بأعداد ضخمة لتغذية محركات البحث ومازالت هذه المشاريع مستمرة ولكن مع تطور الأدوات أصبحت الخوارزميات تؤدي دورا ليس بقليل في تعويض العامل البشري في مجال الترجمة. فأصبحت الآن إعلانات الوظائف تحتاج لمهارات عالية ودقيقة وغير مباشرة بعدما كان مجال الترجمة يتطلب إتقان اللغة المصدر واللغة الهدف وبعض المهارات التقنية كإتقان استخدام أدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب CAT Tools. فكيف أثر الذكاء الاصطناعي على صناعة الترجمة والتوطين؟ لا يقل تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال الترجمة عن تأثيره في التوطين بشكل عام وتوطين ألعاب الفيديو بشكل خاص. يتجلى تأثير الذكاء الاصطناعي في صناعة الترجمة والتوطين من خلال الوظائف التي أصبحت مطلوبة للعمل في هذا المجال، فقد زادت نسبة الاعتماد على الترجمة الآلية باستخدام برامج وأدوات الترجمة الآلية المدعومة بالذكاء الاصطناعي كـ ChatGPT وغيرهم من الأدوات التي توفر جودة معقولة في السياقات غير الدقيقة والعامة. ليأتي دور المراجع ومسؤول ضمان الجودة لتوحيد المصطلحات وإجراء المراجعة النهائية بل وتزيد الأدوات بمصطلحات ومفردات لتحسين الأداء. وبتفعيل هذه الأدواء مع أداوت الترجمة بمساعدة الحاسوب كـ SDL Trados و Phrase و MemoQ وغيرهم يصبح دور المترجم أداء مهمة المراجعة والتدقيق وضمان الجودة ليضع البصمة النهائية فيصبح العمل بشريًا لا لبس فيه. النتيجة النهائية من هنا أنه تم توفير الوقت والجهد والتكلفة من جانب، ومن جانب آخر إلزام مزود خدمات اللغة Language Service Provider بتطوير مهاراته باستمرار. الذكاء الاصطناعي على مستوى المطورين المقصود هنا هم مطوري ألعاب الفيديو Video Games Developers سواء كانوا شركات تعمل في إنتاج ألعاب الفيديو أو هواة ينشأون الألعاب ويطورونها. كيف دمجوا الذكاء الاصطناعي؟ وهل خدمهم فعلا في صناعتهم؟ وماذا سيكون تأثيره؟ لنأخذ على سبيل المثال لعبة PUBG Mobile كنموذج لدمج الذكاء الاصطناعي في اللعبة وتحسين أسلوب اللعب وتجربة اللاعبين. فكيف ذلك؟ في الموسم الأول من هذه اللعبة كانت تبدو بدائية إذا ما قورنت بما وصلت إليه في الوقت الحالي وما نتوقع أن تصل إليه في المستقبل، ولكن الملفت في هذه اللعبة هو ما يسمى بـ البوت أو Bot وهو أداة مبرمجة على هيئة لاعب لأداء تجربة شبيهة بتجربة اللاعب الحقيقي ولكن في مستوى أقل لتحقيق التفوق اللاعب الحقيقي Real Player مما يدعمه نفسيًا ويحفزه لتحقيق المزيد من الإنجازات داخل اللعبة. والمراقب لأداء هذه النوع من الروبوتات أو البوتات سيعرف كيف كانوا يؤدون وظيفتهم وكيف أنهم كانوا يتحركون بطريقة مضحكة ومسلية وأيضًا يعرف أن هناك بوتات المراقبة التي تنزل خصيصًا لمراقبة لاعبين مشتبه في أداءهم. هذه المرة وفي عصر الذكاء الاصطناعي أصبح البوت أكثر كفاءة من اللاعب الجديد بل أنهم يهاجمون مجموعات ولا يترددون في دعم بعضهم البعض، الغريب في أمرهم أنك تحس بتفوق على لاعبين يستخدمون أسماء حقيقة ويتركون لك فرصة بسيطة للقضاء عليهم. فأي تطور ذلك الذي وصلت له هذه اللعبة. وقد استعرضناهها كنموذج كونها اللعبة الأكثر شعبية مؤخرًا. يضمن الذكاء الاصطناعي لشركات الألعاب النجاح المستمر وعدم نفور اللاعبين من اللعبة بل أنه من المتوقع أن تؤدي البوتات دورًا أكبر في الوقت القريب لكي يستشعر اللاعب أنه يعيش تجربة قتال حقيقية ومع لاعبين حقيقيين. للنظر لأسلوب لعبهم وكيف تطور ولم يتبق لهم إلا أن يقودوا السيارات داخل اللعبة ويتغلبوا على اللاعبين الحقيقيين. هذا النموذج يدعم الشركة بشكل مباشر لكي لا يمل اللاعب وينفر من اللعبة ولكي يتحقق له التفوق والدعم النفسي بالتغلب على اللاعبين فتزداد شعبية اللعبة. عرضنا في هذا المقال بشيء من التبسيط تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال الألعاب ومجال الترجمة. ومن المتوقع أن يتحقق تفوق أكبر للذكاء الاصطناعي ليصبح أداة أساسية في جميع المجالات، ولكن المؤكد أنه لن يعوض التفوق البشري الذي سيكون له البصمة الأخيرة على صحة الأداء من عدمه.